قصص حقيقيّة


أيمن كفروني – تعبت من الضّياع

وُلـدتُ في لبنان لوالدين حنونين تقيّين، وحدثَتْ لولادتي "طنَّة ورنّـة" لأنني أتيت بعد خمس من البنات. لذا حظيـتُ بالاهتمام الزائد، ونلتُ من العزِّ والدلال مقدارًا قلّما يناله إنسان. وكانت كلمتي لا "تصير اثنتين" في البيت، وكلّ ما أردته حصلتُ عليه من أبويّ اللـذين دلَّلاني إلى آخـر حـدّ. واكتشفتُ منذ نعومة أظفاري حبّي للفن والغناء، فأصبـح لي نصيـب في كلّ حفـلة أو عـرس أو مناسبـة عائليـَّة، لكي أغنّي وأفتخر بموهبتي. غنّيتُ أمام أصحابي ورفاقي، فنلتُ استحسانهم وشرعوا يـدعونـني إلى حفلاتهم أيضًا. وهكـذا ذاع صيـتي بين الكثيرين وأصبـحتُ مشـهـورًا وأنا بعـد في تلك السـن المبكرة. وفي أحـد الأيـام، جـاء زوج خـالتي لزيارتنا في البيـت ومعـه العـود، فوقعـتُ في حـبِّ هذه الآلة، وفُتنـتُ بجمال صوتهـا. وما إن غادر قريبي، حتى طلبت من والديّ أن يشتريا لي عودًا مثله لأعزف علـيه. بالطبع نزلا عنـد رغبتي واشتريـت العود بنفـسي. عام 1992، سمعتُ إعلانـًا على التلفـزيون يدعو كلّ من لـديه مـوهبـة أن يحضـر إلى استوديو الفن.
فتشجّـعت وذهبتُ وعودي. غنّيـت يومها للمطـرب الكبـير عبـد الـوهاب. ولمّا فعـلت أحسست وكأنّ الوقت قد توقّف وقد امتلكتُ الدنيا بأسرها. من ذلك اليوم بدأتُ رحـلتي مع الفن والطرب، فأضحتِ الشهرة غايـتي الوحيدة، ورحتُ أسعى للوصول إليها مهما كان الثمن. وما هـي إلا سنون قليلة حتى انخرطتُ في دائرة الفنانين مـن الأصحاب والرفاق ورحتُ أنـزلق رويدًا رويدًا في طريق لم أشِبَّ عليه ولا نشأت فيه. علّمـني والـداي التقـوى والأخـلاق الجيّدة منذ الصغر، وتدرّبـتُ على تعاليـم الكنيسـة واحتـرام الأهـل والأقـرباء. لكنني بدأت أبتعد شيئًا فشيئًا عـن هذه القِيَم، وجمعتُ من حولي الأصحاب، حيث كنـا نقضـي معـًا السـهرات والحفـلات. ثم طفقتُ أدخِّن وأشـرب الخمر والويسكـي، ولم أتوانَ عن تعاطي الحشيـش والكوكـايين حـتى غـدوتُ مدمنـًا بارزًا. كنـت أفعـل كلّ ذلك بالسـرّ من دون أن يعـرف الأهـل، حفـاظًا علـى سمـعتهـم، وكـذا لم يعـرف المعجبـون ولا المعجبات عن حياتي الخاصـة. وعـلى الرغم من أنني لم أتعدَّ على أحـد، فإنّ كلّ ما اشتهته عيناي عملته، وكـلُّ مـا رغبـَتْ فيه نفسـي حصلتُ عليه. رحـتُ أرتكـب شتى من المعاصي، وأعيش من أجل اللذة...
لكـن مع كلّ ذلك استطعتُ أن أظهـر بمظـهرِ المطـرب المرتّب والمهذَّب أمام مشاهـديّ في التلفـزيون. لم يستطع أحد أن يكتشف أنّني كنت حقًّا إنسانًا فاسدًا من الداخل، إنسـانًا غائصًا في أوحال الخطيَّة من أخمص قدمي إلى هـامة رأسـي، ما خلا نفسي وأصدقاء الفن الذين كنتُ أرافقهم وأعيش في عُلَب الليل معهم. قمـتُ بهـذه الأمور كلّها، لكنّني لم أكن سعيدًا. فوخـزات الضـمير كانت تلاحقنـي أينما كـنت. وصـوتٌ فـي داخـلي كـان يضجُّ فيّ ويقـول: "ما هو مصــيرك؟" قـلتُ في نفسي: "عندما أكبر سوف أذهب إلى الكنيسـة، فأنـا الآن ما زلت في ريعان الصبا والشبـاب." لكــنّ هــذا القــرار لم يحســّن فــيّ شيئــًا قط. فمَـن يعــلم المستقبــل؟ ولكــي أخمــد هذا الصـوت قرّرت أن أتنـكّر لوجــود الله. ومع ذلك فإنَّ الصــوت لم يتـوقَّف. وذات يـوم قصـدتُ الدير طالبًا المساعدة في حفـلة هـامة عسـاه يحقّقها لي، فوجدتُ الدير مغلقًا إذ كانـت ساعـة الغداء. عندئذٍ قلت في نفسـي: "إذا كان الله موجودًا في داخل الـدير فـلا بدَّ أنـه موجود هنا أيضًا وهـو يسمعـني. فلمـاذا لا أصـلّي هنـا؟" وقفتُ بجانب حائط الدير وصلّيت الصـلوات التي تعلّمتها في صباي. ونـذرتُ نذرًا وقـلت: "يا رب إذا حقّقــتَ لي طلبتي هذه، فإنـني أعـدك بـأن أقـرأ الإنجيـل خمـس مـرات. أرجـوك يا رب، ساعـدني
وحقّـق أمنيـتي." وفعلاً، حقّـق الله لي أمـنيتي وحصـلتُ على ما ابتغـيتـه. وهنـا أصبـح عـليّ أن أفي بوعـدي لله بقـراءة الإنجيل خمـس مـرات. فطفقـتُ أقـرأه… وعنـدما كنت أعود سكرانًا مع الفجر، كنت أحاول أن أقرأ لكـنّ صـوتًا في داخـلي كان يستـهـزئ بي ويقـول: "أتريـد أن تقـرأ الكتاب المقـدَّس وأنت سكـران؟" وها أنا أعلم الآن أن إبليس كان يحـاول إيقافي عـن قراءة كلمة الله. كنت أحيانًا أحمـل السيجارة بيد والإنجيـل بيـد وأقرأ. وأحيـانًا أخـرى أقـرأ وأنـا أتـعـاطى الحشيـشة. لم أكن أستطيـع أن أتخلّى عن عادة واحدة من عاداتي الفاسدة والشريرة حتى وأنا أقرأ كلمة الله. لكن من خلال قراءتي بدأ عقلي وقلبي يستنيران بفعل الآيات الكتابيَّة المقتدرة. وجـذبتني آيات عديدة مثل: "كلّنا كغنم شردنا، ملنا كلّ واحد إلى سبيله"، "كشاة سيق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها لم يفتح فاه." صرت أتساءل وأقول: "أفعل المسيح الفادي كلّ هـذا لأجلـي أنـا؟" ومـرَّة بعـد مرَّة اتّضحت لي من خلال قراءتي حقائق كثـيرة لم أكـن أفـهمهـا من قبـل. 
وبدأتْ كـلمة الله تغيّر زوايا قلبي. ولمّـا قرأتُ الآيـة الـتي قالهـا الرب يسوع المسيـح مرَّة للفرّيسييـن، سُرَّ قلبـي إذ لمسَتني في الصميم: "لـم آتِ لأدعـو أبــرارًا بـل خُطـاةً إلى التـوبة." وهـنا بدأتُ أرى محبـة الله لي؛ إنهـا أعظـم مـن أن تُقـاوَم. وفي إحـدى الليـالي ركعت إلى جانب سريري وصلّيـتُ بقلـب منسحق وقلت: "يا رب أنا لا أستـحق محبّتـك. إني متعـب... الشهرة لم تمنحني شيئًا، أرجو منك أن تساعدني. لا أعـلم كيف أحسِّن نفسي، لكـن أعلم أنك أنـت الوحـيد الذي تقـدر أن تسـاعدني." في ذلك اليـوم نفسـه دخل يسوع قلبي، وغيّر حيـاتي كلّـها. لم أفقه ما حصـل لي وقتئـذٍ، لكنـني بعد أن قرأتُ الآية التي تقول: "ها أنذا واقـفٌ على الباب وأقرع، إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشّى معه وهو معي"، إذ ذاك فهمـت. وهكذا صار عندي شوق واحد ووحيد هـو أن أخـبر النـاس عـن يسـوع المسـيـح المخـلِّص الوحيـد. وازداد حـبِّي لقـراءة كلمتـه المقـدَّسة أكثـر وأكثـر. كنـت قبـلاً أقـرأ الإنجيل إيفاءً لنذري الذي وعـدت به الله، أمـا اليوم فصرت أقرأه بتلهّـف غـريب... بشـوق ورغبة حقيقيـين. نعـم، لقد وجـدتُ الفـرح الحقيقي والدائم، فيما كانت السعادة قبلاً بالنسبـة إليّ مجــرّد لحظــات معــدودة. وهكـذا منحــتُ موهبتي في الغنــاء للــرب يســوع المسيـح فــاديّ ومخلّصــي، ووعــدته بأننــي لـن أغنــّي مـن اليــوم فصــاعدًا إلاّ لــه وحــده، لأنــه هو المستحــقّ. فقد أغـدق علــيّ من نعمــه الكثيــرة، ففاض قلبــي بكــلام صـالح، ولســانـي بــتعابـيــر لم أكـــن أنشـــئها مـن قبــل، وقلـمي صــار قلــم كاتــبٍ مـاهرٍ. بدأتُ أكتـب ترانيـم جديـدة أعبّـر فيـها عـن محبـة الله لي ولبنـي البشـر أجمعـين. وليـس هــذا فحســب، بل حبــاني الله أيضًــا القــدرة عـلى تلحيـــن هـذه الكلمـات التـي أكتبـها. حقًا إنـه لا يتـرك نفسـه مديـونًا لأحد. فقبـل إيمـاني كنــتُ أدفــع ثمـن كلّ أغنية وكل لحــن، أما اليــوم فقد صرت أكتب الترانيم وأضع لها ألحانًا مناسبة. فالكل من عنده تعالى صاحب الهبات والعطايا. 

لقراءة المزيد اطلب الكتاب وال DVD المجّاني



هل تحتاج القوة المغيرة في حياتك؟